أشياء كثيرة يمكن أن تحدث بين الآن وموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة العام القادم، لكن قرار الرئيس جو بايدن الترشح ومكانة الرئيس السابق دونالد ترامب التي لم تكد تتأثر بين «الجمهوريين»، أمران يجعلان من تكرار سباق 2020 احتمالاً مرجحاً إلى حد ما. وما عليك سوى التوقف للحظة لتأمل هذا الاحتمال والفشل الذريع الذي يمثّله. 
أفضل عرض يملكه «الديمقراطيون» للبلاد هو زعيم في الثمانينيات من عمره، زعيم لا يمكن السماح له بالارتجال والخروج عن النص المكتوب، زعيم كان إلمامه بالسياسات والتاريخ السياسي محدوداً حتى في أوج عطائه السياسي، زعيم يُتهم بالتدخل في قضية استغلال ابنه للنفوذ. 
أما أبرز مرشح من الجانب الجمهوري لأهم منصب في العالم، فيمكن القول إنه ما زال شاباً في السادسة والسبعين. وقد سبق أن قاد إدارةً أسست معايير جديدة للحكامة القائمة على الفوضى وانعدام الكفاءة، وشجّع على مهاجمة مقر الكونجرس، وهو موضع عدد من التحقيقات المدنية والجنائية. 
والواقع أن انعدام اللياقة هذا غير مفاجئ للأشخاص الذين يتابعون الحياة السياسية الأميركية عن كثب، بل معقول. ويجب على كل الأشخاص الآخرين، أي أغلبية الأميركيين وبقية العالم، أن يتساءلوا حول ما إن كانت متابعة المشهد السياسي الأميركي عن كثب تدفع للجنون. 
والحق أن الأمر لا يتعلق بالجنون بقدر ما يتعلق بالفشل السياسي المنهجي. فترشح بايدن معقول ومنطقي، وكذلك الحال بالنسبة لترشيح ترامب. وحتى أكون دقيقاً، فإنهما وأنصارهما لا يتصرفان بطريقة غير عقلانية. بل يتصرفان داخل حدود نظام انتخابي غير قادر على التعامل مع الانقسامات الطبقية والثقافية العميقة للمجتمع الأميركي.
والواقع أن كلا الحزبين يمكنهما تقديم مرشحين يحظيان بشعبية أكبر لدى جمهور الناخبين من بايدن أو ترامب. فلماذا لا يفعلان؟ لأن هذا النوع من المرشحين لا يميلون للتمتع بشعبية عند الأشخاص الذين يصوّتون في الانتخابات التمهيدية. ذلك أن هذه المجموعة الأكثر التزاماً من الناخبين تفضّل مرشحين يعكسون تفضيلاتها الخاصة. وكيفية بلاء المرشحين في الانتخابات العامة ليست ذات أهمية كبيرة دائماً بالنسبة لها. 
حالياً، يحظى ترامب بدعم أكثر بين الجمهوريين من حاكم فلوريدا رو ديسانتيس، مثلاً، على الرغم من أن احتمال فوز ديسانتيس على بايدن في انتخابات عامة يبدو أكبر. وفي الوقت الراهن، على الأقل، يبدو الحزب ماضياً في طريقه لاختيار المرشح الذي له أفضل فرصة في الانهزام. 
وبالمقابل، تبدو الحالة الديمقراطية أكثر تعقيداً، لأن بايدن، بوصفه الرئيس المنتهية ولايته، كان دائماً المرشح المفترض. وإذا تنحى جانباً للسماح بمنافسة مفتوحة على خلافته، قد تكون لديمقراطيين تقدميين مثل السيناتورة إيليزابيث وارن أو السيناتور بيرني ساندرز فرصة أفضل من ديمقراطيين معتدلين مثل وزيرة التجارة جينا ريموندو أو عمدة مدينة نيو أورليانز ميتش لاندريو (اللذين أعتقدُ أن أياً منهما كان سيفوز بعدد أكبر من الأصوات في الانتخابات العامة من بايدن أو زعيمي الديمقراطيين التقدميين).
ومع أن حوالي 70% من الناخبين – و51% من الديمقراطيين – لا يرغبون في ترشح بايدن، إلا أنه من المرجح أن يبلي بلاءً أحسن في الانتخابات العامة من وارن أو ساندرز. ولهذا فإن اختيارَه الترشح قد يخدم في الحقيقة مصالح الحزب والجمهور. لكن لاحظ كيف: عبر إقصاء نظامٍ يمكن أن يختار شخصاً أقل كفاءة.
والواقع أن عيوب نظام الانتخابات التمهيدية الأميركي ليست جديدة. لكن أميركا تغيّرت بطرق تجعل تلك العيوب أكثر ضرراً، وذلك لأن المسافة الإيديولوجية بين الحزبين ازدادت، والمسافة الثقافية ازدادت أكثر. 
والأكيد أن ذلك ليس أمراً قاتلاً بالضرورة للوسطيين والبراغماتيين. فبينما يزداد كره العدو، يزداد الخوف من عواقب فوز للعدو. في عام 2020، ساعد ذلك بايدن، الذي استطاع أن يقدّم نفسه داخل الحزب كمرشح وسطي يسعى لتوحيد الصفوف: فقد كان تهديد ترامب مخيفاً بما يكفي للتغلب على نفور الحزب الكبير من التسويات والتوافقات. 
المشكلة تكمن في خطوة واحدة إلى الوراء. ذلك أن الانفصال العاطفي يجعل من الصعب على البراغماتيين المستعدين للتوافق وتقديم تنازلات حشد الدعم دخل حزبهم وترسيخ أنفسهم كمنافسين ذوي مصداقية. فإذا كنت مستعداً للتعامل مع «الأشرار» على الجانب الآخر، تتم عرقلتك من البداية. ويتطلب الأمر موهبة سياسية استثنائية (فكر في باراك أوباما عام 2008) لاستمالة الأنصار المتحمسين والوسط المتذبذب ومشتت الانتباه. وكلما ازداد المشهد السياسي غضباً، ازداد ذاك النوع من الاختراقات صعوبةً. 
وعليه، قد يكون بايدن أفضل رهان للديمقراطيين بالفعل في 2024. ذلك أن سجله المثير للانقسام في المنصب سيجعل من الصعب عليه لعب دور الوسطي الساعي لبناء الجسور، ومن جهة أخرى، سيجد معظم الناخبين فكرة ولاية ثانية لترامب أكثر إخافةً من الولاية الأولى. والخلاصة هي نفسها: إذا كان الاختيار هو بايدن في مقابل ترامب، فلا شك أن الديمقراطية الأميركية معطَّلة. 
ما الذي سيتطلبه إصلاحها؟ ربما تحتاج الأمور إلى أن تسوء أكثر قبل أن تتحسن. والسؤال هو إلى أي مدى ستسوء. في 2019، كان من الممكن تخيّل سيناريو وباء عالمي، تسبب في موت أكثر من مليون شخص على الصعيد الوطني وفي ضرر اقتصادي هائل، يوحّد الأميركيين حول شعورٍ بوحدة الهدف. غير أنه قسّمهم بشكل أعمق بكثير – بين مؤيد للإغلاقات ومناهض لها، وبين مؤيد للكمامات ومناهض لها، وبين مؤيد لإلزامية التلقيح ومناهض لها، وبين مؤيد لسلطة الخبراء ومناهض لها. 
وإذا كان هذه التمزق الذي ما فتئ يتعمق مستعصياً على الإصلاح، فإن المشهد بالنسبة للسلام والازدهار الأميركيين يبدو قاتماً. والحال أن الشرط المسبق لأي نوع من الإصلاح هو زعماء سياسيون مستعدون للمحاولة.. فأين هم؟

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيت»